فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَأَلْقَى عَصَاهُ}.
قال سعيد بن جبير: كانت من عوسج، قال الحكيم: ولم يسخر العوسج لأحد بعده، وقال الكلبي: كانت من آس الجنة عشرة أذرع على طول موسى.
{فإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنها الحية الذكر، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اعتم الحيات الصفر شعراء العنق، حكاه النقاش.
{مُّبِينٌ} فيه وجهان:
أحدهما: مبين أنه ثعبان.
الثاني: مبين أنها آية وبرهان، وكان فرعون قد همّ بموسى، فلما صارت العصا ثعبانًا فَاغِرًا فَاهُ خافه ولاَذَ بموسى مستجيرًا وَوَلَّى قومُه هربًا حتى وطىء بعضهم على بعض، قال ابن زيد: وكان اجتماعهم بالإسكندرية، قال الزجاج: روي أن السحرة كانوا اثني عشر ألفًا، وقيل: تسعة عشر ألفًا.
قوله تعالى: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي تشيرون لأنه لا يجوز أن يأمر التابع المتبوع، فجعل المشورة أمرًا لأنها على لفظه.
ويحتمل استشارته لهم وجهين:
أحدهما: أنه أراد أن يستعطفهم لضعف نفسه.
الثاني: أنه أذهله ما شاهد فحار عقله فلجأ إلى رأيهم وهو يقول أنا ربكم الأعلى، وقد خفي عليه تناقض الأمرين خذلانا.
قوله تعالى: {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} فيه وجهان:
أحدهما: أخره وأخاه، قاله ابن عباس.
الثاني: احبسه وأخاه، قاله قتادة.
وفي مشورتهم على فرعون بإرجائه ونهيهم له عن قتله ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم خافوا إن قتلوه أن يفتن الناس بما شاهدوه منه، وأمّلوا إن جاء السحرة أن يغلبوه.
الثاني: أنهم شاهدوا من فعله ما بهر عقولهم، فخافوا الهلاك من قتله.
الثالث: أن الله صرفهم عن ذلك تثبيتًا لدينه وتأييدًا لرسوله. اهـ.

.قال ابن عطية:

وكان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يفزعه توعد فرعون فقال له موسى على جهة اللطف به والطمع في إيمانه {أولو جئتك بشيء مبين} يتضح لك معه صدقي، أفكنت تسجنني، فلما سمع فرعون ذلك طمع أن يجد أثناءه موضع معارضة فقال له {فأت به إن كنت من الصادقين} {فألقى} موسى عصاه من يده وكانت من عصي الجنة وكانت عصى آدم عليه السلام، ويروى أنها كانت من غير ورقة الريحان، وكانت عن شعيب عليه السلام في جملة عصي الأنبياء فأعطاها لموسى عليه السلام عليه السلام عن رعايته له الغنم على صورة قد تقدم ذكرها دلت على نبوة موسى وكان لها في رأسها شعبتان فثم كان فم الحية وغير ذلك من قصص هذه، ونزع يده من جيبه فإذا هي تتلألأ كأنها قطعة من الشمس، فلما رأى فرعون ذلك هاله ولم يكن له فيه مدفع غير أنه فزع إلى رميه بالسحر، وطمع، لعلو علم السحر في ذلك الوقت وكثرته، أن يكون فيه سبب لمقاومة موسى فأوهم قومه وأتباعه أن موسى عليه السلام ساحر، ثم استشارهم في أمره وأغراهم به في قوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} فأشاروا عليه بتأخير أمره وأمر أخيه وجمع السحرة لمقاومته، وروي أنهم أشاروا بسجنه وهو كان الإرجاء عندهم، والإرجاء التأخير ولم يشيروا بقتله لأن حجته نيرة وضلالتهم في ربوبية فرعون مبينة فخشوا الفتنة وطمعوا أن يغلب بحجة تقنع العوام، والحاشر الجامع، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم {بكل سحار}، وهو بناء المبالغة وقرأ عاصم أيضًا والأعمش {بكل ساحر}.
{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)}.
اليوم هو يوم الزينة، وقيل كان يوم كسر خليج النيل، فهو كان يوم الزينة على وجه الدهر بمصر، وقال ابن زيد إن هذا الجمع كان بالإسكندرية، وقوله: {لعلنا نتبع السحرة} ليس معناه نتبعهم في السحر إنما أراد نتبعهم في نصرة ديننا وملتنا والإبطال على معارضتنا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أوَلَوْ جِئْتُكَ بشيءٍ مُبِينٍ} أي: بأمر ظاهر تعرف به صدقي أتسجنني؟! وما بعد هذا مفسر في [الأعراف: 107] إِلى قوله: {فجُمِعَ السحرةُ لميقات يوم معلوم} وهو يوم الزينة، وكان عيدًا لهم، {وقيل للناس} يعني أهل مصر.
وذهب ابن زيد إِلى أن اجتماعهم كان بالاسكندرية.
قوله تعالى: {لعلَّنا نتَّبع السَّحَرة} قال الاكثرون: أرادوا سَحَرة فرعون؛ فالمعنى: لعلَّنا نتَّبعهم على أمرهم.
وقال: بعضهم: أرادوا موسى وهارون، وإِنما قالوا ذلك استهزاءً.
قال ابن جرير: ولعل هاهنا بمعنى كي. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما كان عند موسى عليه السلام من أمر فرعون ما لا يروعه معه توعد فرعون، قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه: {أو لو جئتك بشيء مبين}، أي يوضح لك صدقي، أفكنت تسجنني؟ قال الزمخشري: أو لو جئتك، واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام، معناه: أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين؟. انتهى.
وتقدّم لنا الكلام على هذه الواو، والداخلة على لو في مثل هذا السياق في قوله: {أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون} فأغنى عن إعادته.
وقال الحوفي: واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير، والمعنى: أتسجنني حتى في هذه الحالة التي لا تناسب أن أسجن وأنا متلبس بها؟.
ولما سمع فرعون هذا من موسى طمع أن يجده موضع معارضة فقال له: {فأت به إن كنت من الصادقين}، إن لك ربًا بعثك رسولًا إلينا.
قال الزمخشري: وفي قوله: {إن كنت من الصادقين} دليل على أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه، لأن المعجزة تصديق من الله لمدعي النبوة، والحكيم لا يصدق الكاذب.
ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه مثل هذا، وخفي على ناس من أهل القبلة، حيث جوزوا القبيح على الله حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات. انتهى.
وتقديره: إن كنت من الصادقين فأت به، حذف الجزاء، لأن الأمر بالإتيان يدل عليه.
وقدره الزمخشري: إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به.
جعل الجواب المحذوف فعلًا ماضيًا، ولا يقدر إلا من جنس الدليل بقولهم: أنت ظالم إن فعلت، تقديره: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم.
وقال الحوفي: إن حرف شرط يجوز أن يكون ما تقدم جوابه، وجاز تقديم الجواب، لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئًا.
ويجوز أن يكون الجواب محذوفًا تقديره فأت به.
وقول الزمخشري: حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات، إشارة إلى إنكار الكرامات التي ذهب أهل السنة إلى إثباتها.
والمعجز عندهم هو ما كان خارقًا للعادة، ولا يكون إلا لنبي أو في زمان نبي، إن جرى على يد غيره فتكون معجزة لذلك النبي، أو على سبيل الإرهاص لنبي.
{فألقى عصاه}: رماها من يده، وتقدم الكلام على عصا موسى عليه السلام.
والثعبان: أعظم ما يكون من الحيات.
ومعنى {مبين}: ظاهر الثعبانية، ليست من الأشياء التي تزوّر بالشعبذة والسحر.
{ونزع يده} من جيبه، {فإذا هي} تلألأ كأنها قطعة من الشمس.
ومعنى {للناظرين}: أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة، وكان بياضًا نورانيًا.
روي أنه لما أبصر أمر العصا قال: فهل غيرها؟ فأخرج يده، فقال: ما هذه؟ قال: يدك، فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.
{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)}.
قال ابن عطية: وانتصب حوله على الظرف، وهو في موضع الحال، أي كائنين حوله، فالعامل فيه محذوف، والعامل فيه هو الحال حقيقة والناصب له، قال: لأنه هو العامل في ذي الحال بواسطة لام الجر، نحو: مررت بهند ضاحكة.
والكوفيون يجعلون الملأ موصولًا، فكأنه قيل: قال للذي حوله، فلا موضع للعامل في الظرف، لأنه وقع صلة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما العامل في حوله؟ قلت: هو منصوب نصبين: نصب في اللفظ، ونصب في المحل.
فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف، وذلك استقروا حوله، وهذا يقدر في جميع الظروف، والعامل في النصب المحلي، وهو النصب على الحال. انتهى.
وهو تكثير وشقشقة كلام في أمر واضح من أوائل علم العربية.
ولما رأى فرعون أمر العصا واليد، وما ظهر فيهما من الآيات، هاله ذلك ولم يكن له فيه مدفع فزع إلى رميه بالسحر.
وطمع لغلبة علم السحر في ذلك الزمان أن يكون ثَمّ من يقاومه، أو كان علم صحة المعجزة.
وعمى تلك الحجة على قومه، برميه بالسحر، وبأنه {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره}، ليقوي تنفيرهم عنه، وابتغاؤهم الغوائل له، وأن لا يقبلوا قوله؛ إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن الذي نشأوا فيه، ثم استأمرهم فيما يفعل معه، وذلك لما حل به من التحير والدهش وانحطاطه عن مرتبة ألوهيته إلى أن صار يستشيرهم في أمره، فيأمرونه بما يظهر لهم فيه، فصار مأمورًا بعد أن كان آمرًا.
وتقدم الكلام في {ماذا تأمرون} وفي الألفاظ التي وافقت ما في سورة الأعراف، فأغنى عن إعادته.
ولما قال: {إن هذا لساحر عليم}، عارضوا بقوله: {بكل سحار}، فجاءوا بكلمة الاستغراق والبناء الذي للمبالغة، لينفسوا عنه بعض ما لحقه من الكرب.
وقرأ الأعمش، وعاصم في رواية: بكل ساحر.
واليوم المعلوم: يوم الزينة، وتقدم الكلام عليه في سورة طه.
وقوله: {هل أنتم مجتمعون}، استبطاء لهم في الاجتماع، والمراد منه استعجالهم، كما يقول الرجل لغلامه: هل أنت منطلق؟ إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق، كما يخيل إليه أن الناس قد انطلقوا وهو واقف، ومنه قول تأبط شرًا:
هل أنت باعث دينارًا لحاجتنا ** أو عند رب أخا عون بن مخراق

يريد: ابعثه إلينا سريعًا ولا تبطىء به.
وترجوا اتباع السحرة، أي في دينهم، إن غلبوا موسى عليه السلام، ولا يتبعون موسى في دينه.
وساقوا الكلام سياق الكناية، لأنهم إذا اتبعوهم لم يتعبوا موسى عليه السلام.
ودخلت إذا هنا بين اسم إن وخبرها، وهي جواب وجزاء. اهـ.